يقال: دخل رجل من بني عذرة على عبد الملك بن مروان يمتدحه بقصيدة، وعنده الشعراء الثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، فلم يعرفهم الأعرابي، فقال عبد الملك للأعرابي:
هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلاباً
فقال: أحسنت ! فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
فقال: أصبت وأحسنت ! فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
فقال أحسنت ! فهل تعرف جريراً؟
قال: لا والله وإني إلى رؤيته لمشتاق.
قال: فهذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الأخطل، فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حــــــــرزة ... وأرغم أنفك يا أخــطل
وجد الفرز دق أتعـس به ... ورقَّ خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرز دق يقول:
يا أرغم الله أنفاً أنت حــــــــامله ... يا ذا الخـنا ومقـال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم ... ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا ... في معشر أنت منهم إنهم ســفل
فقام جرير مغضباً وقال:
أتشتمان سفاهاً خيركم حسباً ... ففيكم -وإلهي - الزور والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعكما ... لا زلتما في سفال أيها السفل
ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي، وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة آلاف، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض الأعرابي ذلك كله وخرج .